1 / 52

الفصل الثالث الفقه في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين 41: 132 هـ

الفصل الثالث الفقه في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين 41: 132 هـ. المبحث الخامس الموالي ودورهم في خدمة الفقه.

sterling
Télécharger la présentation

الفصل الثالث الفقه في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين 41: 132 هـ

An Image/Link below is provided (as is) to download presentation Download Policy: Content on the Website is provided to you AS IS for your information and personal use and may not be sold / licensed / shared on other websites without getting consent from its author. Content is provided to you AS IS for your information and personal use only. Download presentation by click this link. While downloading, if for some reason you are not able to download a presentation, the publisher may have deleted the file from their server. During download, if you can't get a presentation, the file might be deleted by the publisher.

E N D

Presentation Transcript


  1. الفصل الثالث الفقه في عصر صغار الصحابة وكبار التابعين 41: 132 هـ

  2. المبحث الخامسالموالي ودورهم في خدمة الفقه

  3. لم تكن النهضة العلمية في عصر التابعين قصرا على العلماء العرب فقط، بل شاركهم فيها غيرهم من الموالي، حتى لقد اشتهر بعض الموالي في بعض الأمصار وكانوا أعلاما للفقه بها، وترتب على ذلك آثار مهمة في الفقه الإسلامي، وسوف نعرض لظاهرة اشتهار الموالي واشتغالهم بالعلم، ثم لأثر ذلك في الفقه الإسلامي كل في مطلب مستقل:

  4. المطلب الأول ظهور الموالي واشتغالهم بالعلم

  5. لقد كان أكثر حملة العلم في عصر الخلفاء الراشدين من العرب، ذلك أن الشهرة في الفتوى كانت للصحابة، وقد كان أكثر الصحابة من العرب. فلما فتح الله على المسلمين البلاد، ودخل كثير من الناس في الإسلام، وتفرق الصحابة في الأمصار يعلمون الناس، واشترك العرب والعجم في تلقي العلم عنهم وتنافسوا من أجل تحصيله منافسة شريفة، حتى إذا كان عصر التابعين وتابعيهم كان بعض حملة العلم عربا، وأكثرهم من الموالي، أو أبناء الموالي فقد أخذ المسلمون كثيراً من أبناء الأسرى وربوهم تحت كنفهم وعلموهم القرآن والسنة ؛ فحفظوا، وفهموا، واستعانوا بما عندهم من الكتابة، والنباهة على الإجادة والإتقان.

  6. ومن الأمور المعروفة أن إدراك العلم صناعة وفن، والموالي أقرب إلى إدراك هذا بحكم بيئتهم المتحضرة، بينما العرب على الفطرة، وربما كان إسراع الموالي إلى ذلك تطلعاً منهم إلى إحراز فضيلة العلم، حتى ينالوا بهذا شرفاً يرفع قدرهم ويعلي شأنهم ومكانتهم، ورغبة في الإسهام والمشاركة بحظ وافر في بناء صرح الحضارة الإسلامية وقد اتجه الجمهور الإسلامي العربي إلى احترام الموالي والرجوع لفتاواهم، ورواية الحديث عنهم، وقد وجدوا في جميع الأمصار الإسلامية، وشاركوا الصحابة، وكبار التابعيين في العلم والتعليم. فقلما يذكر عبد الله بن عباس إلا ومعه راويته ومولاه عكرمة، وقلما يذكر عبد الله بن عمر إلا ومعه مولاه نافع، وقلما يذكر أنس بن مالك إلا ومعه محمد بن سيرين، وكثيراً ما يذكر أبو هريرة ومعه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج راويته. وهؤلاء الأربعة أكثر الصحابة حديثاً وفتوى، ولمواليهم الأربعة فضل كبير.

  7. أسباب نبوغ الموالى في العلوم الإسلامية

  8. اتخاذ أكثر الصحابة بعض الموالي الأذكياء خدماً لهم، فحرصوا على تعليمهم. • اقتصار خلفاء بني أمية في تولية أمر البلاد المفتوحة على العرب، مما دفع أهل هذه البلاد إلى الاتجاه إلى العلم يعبون منه قدر طاقتهم ؛ ليجدوا فيما تعلموه الغنى عن السياسة ومتاعبها، وينالوا بما تعلموه عزة العلم وشرفه. • حرص أهل البلاد المفتوحة على تعلم القرآن وحفظه ومعرفة أحكامه، وكذا السنة الشريفة، ليجدوا فيهما الخير المعين على متاعب الدنيا ومشاكلها، وليحققوا الإيمان الصادق من خلال الفهم الصحيح لنصوص التشريع الإسلامي، التي أصبحوا يحتكمون إليها في كل أمورهم ؛ لأنهم مسلمون.

  9. وما إن قارب القرن الأول الهجري على الانتهاء حتى كان أكثر علماء الأمصار العربية، والمفتوحة من الموالي. فقد اشتهر بالمدينة سليمان بن يسار، وكان من أعلم الناس وأفقههم، ونافع مولى ابن عمر، وأصله من الديلم، وربيعة الرأي، وهو شيخ الإمام مالك. واشتهر في مكة مجاهد بن جبير مولى بني مخزوم، وعكرمة مولى عبد الله بن عباس، وعطاء بن أبي رباح مولى بني فهر، وأبو الزبير محمد بن تدرس، مولى حكيم بن حزام، وكان من أحفظ الناس للحديث. كما اشتهر بالكوفة سعيد بن جبير مولى بني والبة. واشتهر بالبصرة الحسن بن يسار مولى زيد بن ثابت، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري. وممن ذاع صيتهم في الشام مكحول بن عبد الله، وهو من شيوخ الأوزاعي. وفي مصر اشتهر يزيد بن أبي حبيب، مولى الأزد، وهو بربري الأصل، كان أبوه من أهل دنقلة، وكان يزيد مفتي مصر، وهو من شيوخ الليث بن سعد.

  10. ولا يفوتنا أن نذكر أن من علماء العرب من ذا صيتهم وارتفع نجمهم في سماء العلم، ومن هؤلاء العرب الذين اشتهروا في الفقه سعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس النخعي، وشريح الكندي، ومسروق، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. بل إن بعض الأمصار عرفت من الفقهاء العرب من اشتهر أكثر من غير العرب، فكانت الغلبة لفقهاء العرب في الكوفة والمدينة، كما غلبة شهرة الموالي في بعض البلاد كالبصرة. فقد روى قتادة عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال دخلت على هشام بن عبد الملك بالرصافة. فقال: يا عطاء، هل لك علم بعلماء الأمصار؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين. فقال من فقيه أهل المدينة؟ قلت: نافع مولى ابن عمر. فقال: فمن فقيه أهل مكة؟ قلت عطاء ابن أبي رباح. قال مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل مولى، قال: فمن فقيه أهل اليمن؟ قلت طاوس ابن كيسان، قال مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل مولى. فال فمن فقيه أهل اليمامة؟ قلت: يحيى بن أبي كثير، قال مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل مولى. فال فمن فقيه أهل الشام؟ قلت مكحول، قال مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل مولى. فال فمن فقيه أهل الجزيرة؟ قلت ميمون ابن مهران، قال مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل مولى. فال فمن فقيه أهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم، قال مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل مولى. فال فمن فقيه أهل البصرة؟ قلت الحسن وابن سيرين. قال: موليان أم عربيان؟ قلت: لا، بل موليان. قال: فمن فقيه أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعي، قال: مولى أم عربي؟ قلت: لا، بل عربي. قال: كادت نفسي تخرج ولا تقول واحد عربي.

  11. النموذج التراثي السابق يدل دلالة واضحة كل الوضوح على نبوغ هؤلاء الموالي، ويبين مدى اهتمام العرب بهم حتى جعلوهم نابغين في مجال تعلم العلم وتعليمه، فبدت بصماتهم مشرقة في صرح العلم عامة، وأقدامهم راسخة في مجال العلوم الإسلامية على وجه الخصوص.

  12. المطلب الثاني أثر اشتغال الموالي بالعلم في النهضة الفقهية

  13. لقد كان لظهور الموالي في سماء الحياة العلمية واشتهارهم، وتلقي الناس العلم عنهم أثر كبير في الفقه الإسلامي، حيث نشأ عن ذلك ازدهار في الحركة العلمية فزادت الثروة الفقهية، اتسعت دائرتها، وذلك نظرا لسعة تعليمهم، وثقافتهم الكبيرة المتنوعة. كما كان منهم من توسع في الافتراض الفقهي، فأخذ في افتراض المسائل الفقهية التي لم تكن وقعت بعد، محاولا استخراج الأحكام لهذه الافتراضات، فكان لذلك أثره في تكون ثروة فقهية، وفي اتساع دائرة الخلافات الفقهية.

  14. المبحث السادسظهور مدرسة الحديث ومدرسة الرأي

  15. أشرنا فيما مضى إلى أن الصحابة تفرقوا في عواصم الأمصار المفتوحة، معلمين ومفتين، وناشرين للسنة والفقه، وأنهم كانوا في الاستنباط والفتوى طرائق متعددة، فمنهم من كان يتوسع في الرأي، فيبنى الحكم عليه مثل: عبد الله بن مسعود. ومنهم من كان يقف عند ظواهر النصوص والآثار، لا يحيد عنها، ولا يلجأ إلى الرأي إلا عند الضرورة القصوى: كعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وعائشة، وابن عباس. وكان لكل من هؤلاء الصحابة تلاميذ من التابعين التفوا حولهم وأخذوا عنهم وذهبوا مذهبهم الذي ترسموه. على أثر ما سبق، أخذت تتكون في هذا الوقت تبعا لشخصيات الصحابة ومذاهبهم مدارس في البلاد المختلفة، على رأس كل مدرسة إمام أو أكثر من التابعين المكرمين.

  16. وكانت أهم هذه المدارس: مدرسة الحديث، ومدرسة الرأي، وكان لكل مدرسة طابع خاص في الاستنباط والفتوى يختلف عن الآخر. والذي لا مجال للشك فيه أن دراسة هاتين المدرستين، والوقوف على المبادئ الفقهية لكل مدرسة، وتعرف آرائها، له أهمية كبيرة، لأنها تمثل حلقه الاتصال بين عصرين متمايزين. 1-عصر النبي  و أصحابه 2- عصر المذاهب الفقهية، ومن هذه الدراسة تعرف كيف نشأت المذاهب الفقهية بعد ذلك. فمن مدرسة الحديث تفرع مذهب الإمام مالك، ومن مدرسة الرأي تفرع مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، أمّا مذهب الشافعي فقد جمع بين المدرستين، فكان مذهباً وسطاً بينهما.

  17. المطلب الأول مدرسة الحديث

  18. لقد ظهرت مدرسة الحديث بالحجاز، وبخاصة في المدينة المنورة، حيث كان للمدينة منزلة خاصة، باعتبارها دار الهجرة، التي نزل فيها التشريع وشهدت ما كان من رسول الله  قولا أو فعلا، وعاش فيها الخلفاء الراشدون فأصبحت مهد السنة، ومنبع الحديث وملتقى الصحابة، وهذا يجعل أهلها أثبت الناس بالفقه، وأشدهم تمسكا بالرواية، ووقوفا عند الآثار. وإذا كانت هذه المدرسة قد نشأت في المدينة فإن هذا لا يعنى أن امتدادها كان قاصراً على أسوار المدينة أو حدود الحجاز، وإنما شملت معظم الأمصار الإسلامية، وكان لها أنصار وأتباع من الفقهاء المنتشرين في كافة أرجاء العالم الإسلامي.

  19. فها هو عامر بن شراحيل الشعبي محدث الكوفة وعالمها، فقد كان صاحب حديث وأثر. إذا عرضت له الفتيا ولم يجد فيها نص انقبض عن الفتوى وكان يكره الرأي. ومن أقوال الشعبي: ما جاءكم به هؤلاء فمن أصحاب رسول الله  فخذوه، وما كان من رأيهم فاطرحوه، في الحش. وأصل مذهبهم فتاوى: عبد الله بن عمر، وعائشة، وابن عباس،وزيد بن ثابت، وقضايا قضاة المدينة فجمعوا من ذلك ما يسر الله لهم جمعه، ثم نظروا فيها نظر اعتبار وتفتيش، فما كان منها مجمعا عليه أخذوا به، وما كان فيه اختلاف أخذوا بأقواها، وأرجحها، إما بكثرة من ذهب إليه، أو لموافقة قياس قوى أو تخريج صريح من الكتاب والسنة، فحصل لهم من ذلك مسائل كثيرة في كل باب من أبواب الفقة.

  20. رواد هذه المدرسة

  21. وقد مثل هذه المدرسة في العصور فقهاء المدينة السبعة وهم: 1- سعيد بن المسيب المخزومي القرشي0 2- خارجة بن زيد بن ثابت 0 3- القاسم بن محمد بن أبى بكر 0 4- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم 0 5- عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود 0 6- سليمان بن يسار مولى ميمونة 0 7- عروة بن الزبير .

  22. وقد نظمهم القائل: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة فقيل هم: عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة.

  23. منهج مدرسة الحديث

  24. قام منهج مدرسة الحديث على أساس الأخذ بالقرآن والسنة، فإنهم كانوا إذا سئلوا عن شيء، فإن عرفوا فيه آية أو حديثا أفتوا وإلا توقفوا. وعُرِفوا أيضا بكراهيتهم الشديدة للفروض وإعمال الرأي، وكانوا يعيبون على أهل الرأي أنهم يتركون بعض الأحاديث لأقيستهم. روي أن رجلا سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن شيء فقال: لم أسمع في هذا شيئا، فقال له الرجل: فأخبرني أصلحك الله برأيك، قال: لا، ثم أعاد عليه فقال، إني أرض برأيك، فقال سالم: إني لعلِّى إن أخبرتك برأيي، ثم نذهب، فأرى بعد ذلك رأيا غيره فلا أجدك . وكان أصحاب الحديث يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل منهم أن يكفيه غيره مؤنتها.

  25. أسباب انتشارمدرسة الحديث بالحجاز

  26. يرجع انتشار مدرسة الحديث في الحجاز إلى الأسباب الآتية: 1- تأثرهم بطريقة شيوخهم في تعلقهم بالآثار، والوقوف عند النصوص، وتورعهم عن الفتوى والأخذ بالرأي وإعمال القياس، إلا إذا كانت هناك ضرورة ملجئة وربما امتنعوا عن الإفتاء في المسألة التي لا يوجد بها دليل من كتاب أو سنة. 2- كثره ما بأيدهم من الأحاديث والآثار التي تفي بحاجتهم في الاستدلال وتغنيهم عن إعمال الرأي، لأن الحجاز موطن النبي وكبار الصحابة، والبلد الذي نزل فيه التشريع، وذاعت فيه سنة الرسول حتى أصبح مأوى الفقهاء ومجمع العلماء، ومهد السنة، وقد ترك الرسول بالمدينة وحدها اثني عشر ألفا من الصحابة، مات بها عشرة آلاف وتفرق ألفان في سائر أقطار الإسلام 0 3- بداوة أهل الحجاز، ويسر حياتهم وقلة مشاكلهم، فليس هناك من الحوادث المستجدة سوى القليل النادر، حيث كانوا على الفطرة. فقد كانوا يعيشون على الحالة التي كانوا يعيشون عليها في عهد رسول الله ، بسبب ذلك لم يكونوا بحاجة إلى استعمال الرأي الذي يكرهونه 4- بعدهم عن موطن الفتنة، وبواعث النزاع بالنسبة لما كان عليه الأمر في العراق، فقد سلموا من بدعة الخوارج والتشيع وأهل الأهواء، وظل تراث الحديث والأثر محفوظا لديهم، لا تشوبه ريبة، ولا تتطرق إليه تهمة الوضع .

  27. مميزاتمدرسة الحديث

  28. كراهيتهم لكثرة السؤال وفروض المسائل، وتشعب القضايا، فالحكم قائم على قضية واقعية لا على قضية مفترضة، والنص يدل على الحكم، فلا يبحث عن علل الأحكام وربط الحكم بها وجوداً وعدما 0 الاعتداد بالحديث والوقوف عند الأثر ولو لم يكن مشهورا، وتقديمه على الرأي. فالعلم هو علم الكتاب والسنة والأثر، والعناية بحفظ ذلك عناية بأصل التشريع ومصادر الفقه، والواجب الديني يفرض صيانة هذا التراث. روي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: أنه قال: سألت أبى عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه إلا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه، وأصحاب رأى فتنزل به النازلة 0 فقال أبى: يسأل أصحاب الحديث و لا يسأل أصحاب الرأي، ضعيف الحديث أقوى من صاحب رأى.

  29. الفوائد العملية التي حققتهامدرسة الحديث

  30. لقد أفادت مبادئ هذه المدرسة فيما يأتي: 1- جمع السنة النبوية وحفظها باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع 0 2- جمع آراء الصحابة والتابعين وقضائهم وما صدر عنهم من فتوى. 3– جمع وتدوين الأحاديث والآثار، وكان أول من قام بهذا ابن شهاب الزهري 4 - توجيه أنظار المسلمين إلى العناية بالسنة وآثار الصحابة.

  31. المطلب الثاني مدرسة الرأي

  32. لقد أشرنا من قبل أن تفرق الصحابة في الأمصار أحدث حركة علمية في كل مصر، تفاوتت في منهجها بتفاوت هؤلاء الصحابة، وتأثر تلاميذهم بهم، وقد تمايز في هذا التفاوت منهجان: الحديث، والرأي، وأشرنا في الصفحات السابقة إلى مدرسة الحديث، وفيما يأتى نتعرض لمدرسة الرأي.

  33. مكان ظهور هذه المدرسة

  34. ظهرت مدرسة الرأي في العراق تحت تأثير عوامل مختلفة أدت إليها، لكنه من الضروري الأخذ في الاعتبار أن نشأة الرأي لم تكن في العراق، فالبذور الأولى غرست في أرض المدينة بواسطة منهج بعض الصحابة الذين كان يغلب عليهم منهج الرأي .

  35. رواد هذه المدرسة

  36. لقد كان من أشهر رواد هذه المدرسة وشيوخها: عمر بن الخطاب  فقد كان أكثر الصحابة فقها للنص، واجتهاداً في فهمهِ وإقداماً على إبداء الرأي فيه، وكذلك عبد الله بن مسعود  الذي كان يتأثر بعمر، ولم يخالفه إلا في مسائل معدودة عند الفقهاء، وكانت آراء ابن مسعود المخالفة لعمر أكثر قبولا عندهم. روى الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يعدل بقول عمر وعبد الله إذا اجتمعا فإذا اختلفا كان قول عبد الله أعجب إليه لأنه ألطف. ومعروف أن عمر بن الخطاب (رضى) أرسل عبد الله بن مسعود إلى أهل الكوفة ليعلمهم، وكانت حركته واسعة، ونهج تلاميذه من بعده نهجه، فاعتبرت مدرسة ابن مسعود بالعراق نواة لمدرسة الرأي، وبذر طيب لشجرة عظيمة هي مدرسة الرأي.

  37. أسباب انتشارمدرسة الرأي بالعراق

  38. يرجع انتشار مدرسة الحديث في العراق إلى الأسباب الآتية: 1- تأثرهم بمعلمهم الأول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود . 2- قلة الحديث في العراق إذا ما قيس بالحجاز موطن الرسول وكبار الصحابة، فإن عدد الصحابة الذين وفدوا على العراق كان قليلا بالنسبة إلى الصحابة الذين ظلوا في الحجاز. 3- اتصال العراق بالحضارة الفارسية المجاورة له، أدى إلى إحداث مسائل جزئية كثيرة ومشاكل متعددة، تحتاج إلى إعمال الرأي وكثرة القياس. 4- وكان العراق موطناً للشيعة والخوارج، وعلى أرضه دارت الفتنة، ثم شاع الوضع في الحديث تأييداً للمذاهب السياسية، وهذا جعل علماءه في مدرسته يقلون من رواية الحديث ويتحفظون فيها، مخافة الاستدلال بالأحاديث الموضوعة، فكانت الأحاديث التي يعوّل عليها لديهم قليلة، وهذا يدعوهم عند النظر في المسائل إلى القول بالرأي حيث لا يصح النص.

  39. منهج مدرسة الرأي

  40. رسم أصحاب مدرسة الرأي طريقة يسيرون عليها في استنباط الأحكام تتلخص فيما يأتى: 1- أكثروا من تفريع الفروع نتيجة لكثرة ما يعرض لهم من الحوادث، بعد تحضرهم في العراق، وقد دفعهم ذلك إلى فرض المسائل والحوادث قبل وقوعها فأكثروا من (أرأيت لو كان كذا؟) فيسألون عن المسألة ويبدون فيها حكما، ثم يفرعون عليها بقولهم (أرأيت لو كان كذا)؟ ويقلبونها على سائر وجوهها، الممكنة وغير الممكنة أحيانا. 2- قِلّةُ روايتهم للحديث، واشتراطهم فيه شروطا لا يسلم معها إلا القليل، وانتهاجهم نهج عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود فيما روى عنهما من التثبت في الرواية وعدم الإكثار في التحديث عن رسول الله وكانوا يتهيبون من الرواية عن الرسول  ولا يتهيبون من الرأي. وربما ألجأهم إلى ذلك كثرة الفتن التي كانت بالعراق، شيوع وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله .

  41. وهكذا لم يكن عندهم من الأحاديث، والآثار ما يقدرون به على استنباط الفقه على الأصول التي اختارها أهل الحديث.ومن أمثلة القول بالرأي، ما روي أن عبد الله بن مسعود قضى في امرأة لم يفرض لها زوجها صداقا، ثم مات قبل أن يدخل بها قال: لها صداق مثلها من نسائها لا وكس ولا شطط. فلما قضى قال: فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله بريئان.

  42. الفوائد العملية التي حققتهامدرسة الرأي

  43. بعد العرض السابق لمدرسة الرأي ومنشأها وروادها ومنهجها وأسباب انتشارها، يمكننا الوقوف على أهم الفوائد العلمية التي حققتها هذه المدرسة، والتي نلخصها فيما يأتي: 1- جمع الأحاديث وآراء ممن كانوا يعايشونهم وإخراج أحكام الحوادث التي جدت لهم منها. 2- معرفة كثير من علل الأحكام، وحكمة تشريعها، مما يدل على أن شريعة الإسلام معقولة المعنى. 3- ازداد الفقه الإسلامي ثراءً وتشعبت أبحاثه، ورسخت قواعده. 4- التصدي للكاذبين على رسول الله بوضع الأحاديث، وإفشاء أمرهم وتعريف الناس بهم.

  44. نماذج من المسائل الخلافية في عصر التابعين

  45. يرجع أكثر الخلاف في عصر التابعين إلى اختلاف المنهج الفقهي لكل من مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، وأثمر هذا الاختلاف في المنهج اختلافا في بعض المسائل الفقهية منها:

  46. (1)القراءة خلف الإمام

  47. غالب الرأي لدى مدرسة أهل الحجاز (مدرسة الحديث) القراءة مع الإمام فيما أسر، وعدم القراءة فيما يجهر فيه، روي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة. بينما يرى أغلب أهل الرأي عدم قراءة المأموم فيما جهر الإمام أو أسر، روي عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم وسعيد بن جبير في القراءة خلف الإمام قال: اجتمع ألا يقرأ خلف الإمام في المغرب والعشاء والفجر، قال إبراهيم: ولا في الظهر والعصر. وأثر عن نفر منهم: ينبغي ألا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات.

  48. وأهل الحجاز في هذا يقفون عند الأحاديث والآثار التي تدل على قراءة الفاتحة خلف الإمام، كحديث (لا تفعلوا إلا بأم القرآن)، وحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) أما حديث (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) الذي يحتج به الكوفيون (أهل الرأي) لا يصلح للاحتجاج به. وأهل الرأي في ذلك على منهجهم أيضا لأنهم جميعا (أهل الحجاز وأهل الرأي لا يختلفون في أن الرجل يأتي الإمام وهو راكع يكبر معه، ويعتد بتلك الركعة وإن لم يقرأ فيها شيء، فلما أجزأه ذلك في حال خوفه فوات الركعة، احتمل أن يكون أجزأه ذلك لمكان الضرورة، ويحتمل أن يكون إنما أجزأه ذلك لأن القراءة خلف الإمام ليست عليه فرضا، قال أهل الرأي فاعتبرنا ذلك. .

  49. (2)صفة الجلوس في الصلاة

  50. يرى أهل الحجاز في الغالب عندهم أن الجلوس في التشهد يكون على الورك اليسرى. فقد روي عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس، فنصب رجله اليمنى وجلس على وركه اليسرى ولم يجلس على قدميه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك. ويرى أهل الكوفة رأيا آخر، فيذهبون إلى أن الجلوس يكون بأن يفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها. روي عن المغيرة عن إبراهيم النخعي أنه كان يستحب إذا جلس الرجل في الصلاة أن يفرش قدمه اليسرى على الأرض ثم يجلس عليها. ثم نشأ رأي آخر يوفق بين الرأيين، بأن يكون الجلوس الأول على وفق رأي أهل الكوفة، ويكون الجلوس الأخير على وفق رأي أهل الحجاز.

More Related