1 / 202

تفسير ايات وأحاديث الدعوة

تفسير ايات وأحاديث الدعوة. اعداد الدكتور/ خالد خطاب. أساليب القرآن في الدعوة.

Télécharger la présentation

تفسير ايات وأحاديث الدعوة

An Image/Link below is provided (as is) to download presentation Download Policy: Content on the Website is provided to you AS IS for your information and personal use and may not be sold / licensed / shared on other websites without getting consent from its author. Content is provided to you AS IS for your information and personal use only. Download presentation by click this link. While downloading, if for some reason you are not able to download a presentation, the publisher may have deleted the file from their server. During download, if you can't get a presentation, the file might be deleted by the publisher.

E N D

Presentation Transcript


  1. تفسير ايات وأحاديث الدعوة اعداد الدكتور/ خالد خطاب

  2. أساليب القرآن في الدعوة • جعل الله أشرف العمل وأحسن القول، القيامَ بمهمة البلاغ المبين، ودعوة الناس إلى الحق، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وممارسة العمل الصالح، والانسلاك بالقافلة المؤمنة، وصبر النفس مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. • كما جعل أفضل المكاسب وأعظمها وخيرها والفوز الحقيقي، يكمن في تحقيق الهداية للناس، واستنقاذهم من الضلال، وإلحاق الرحمة بهم، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)           "الأنبياء:107". • وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم –: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" متفق عليه، وفي رواية: "من الدنيا وما عليها" بل لقد جعل الله القيام بمهمة البلاغ لرسالة النبوة وحسن أدائها، السبيل الوحيد للنجاة في الآخرة، والعصمة الحقيقية من فتنة الناس في الدنيا، فقال تعالى: (قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلاَّ بَلاَغًا مِّنَ اللهِ وَرِسَالاَتِهِ) "الجن:23،22". • وقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) "المائدة:67".

  3. أساليب القرآن في الدعوة • ولذلك كانت غاية مهمة وأبعاد رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تتمحور حول قضية البلاغ المبين، قال تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) "النور:54". • وإن أمتنا المسلمة تشكلت من خلال خطاب، من خلال كتاب، فكان القرآن ولا يزال، خطاب عقيدة وعلم ووعي وفكرة وثقافة، لذلك جعل الجهاد به من أكبر أنواع الجهاد، والتسلح به من أمضى الأسلحة وأكثرها أثرًا، والتذكير به من أهم عوامل الإنابة والتصويب والاستقامة، قال تعالى: (فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) "الفرقان:52"، وقال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) "ق:45"، ولذلك كانت وسيلة الكفار في المواجهة، الهرب من الخطاب القرآني الإعلامي، ومحاولة إقامة الرقابات والحواجز دون وصوله إلى أسماعهم والشغب عليه، حيث قص علينا القرآن حالهم وما أصابهم من الارتباك، بقوله: (لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) "فصلت:26". • لقد كانت الأمم تتشكل قبل القرآن من خلال إحساسها المادي، فأصبحت تتشكل بعد القرآن من خلال عقلها وفكرها، لذلك لابد أن يكون الهاجس الدعوى أو الإعلامي حاضراً دائماً ومستمراً، وأن يبقى الملف الدعوي والإعلامي على مستوى النظرية والتطبيق مفتوحاً وخاضعاً للمتابعة والتقويم. • إن الجمود والعجز عن الإبداع في عملية البلاغ وأساليب ووسائل الدعوة قد وصل إلى درجة جعلت أساليبنا الدعوية وقوالبنا الإعلامية أقرب لأن تكون قبورًا لأفكارنا ومعتقداتنا وثقافتنا.

  4. أساليب القرآن في الدعوة • ومن أخطر الإصابات التي أصابت وسائلنا الدعوية والإعلامية: التوهم بأن عالمية الإسلام وخلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان تنعكس على وسائل الدعوة والبلاغ، بحيث يصبح الخطاب واحداً في كل الأحوال، إن الخطاب الذي يصلح لمجتمع متخلف مستعمر أمي جاهل مبعثر ملحد، لا يصلح بالتأكيد لمجتمع متعلم متحرر مستقل مبدع متدين جاد متطور، إن الخطاب الدعوي المطلوب للنهوض بالعالم الإسلامي بحالته التي هو عليها اليوم، ومشكلاته التي يعاني منها على مختلف الأصعدة، والعودة به إلى الإسلام، لا يصلح للمجتمع الأوروبي والأمريكي بمواصفاته وظروفه وإنسانه. • والقرآن الكريم الذي تشكلت من خلاله خير أمة أخرجت للناس أخذ بالاعتبار المخاطبين ومستوياتهم، وخلفياتهم الدينية والثقافية، ودرجات إيمانهم، وفروقهم الفردية، فراعى التنوع في الخطاب، والتدرج في أخذ الناس بأحكام الدين شيئًَا فشيئًا، فكان خطابه في مكة غير خطابه في المدينة المنورة، من حيث النداء والمضمون، والفاصلة القرآنية، والإيقاع والمثل والشاهد والنموذج وبيان أصل النشأة والحديث عن المصير... إلخ. • فالقضايا التي تمحور حولها الخطاب المكي والأساليب التي استعملها، والتحدي الذي مارسه، والأهداف التي قصد إليها، غير القضايا والأساليب والأهداف التي اتجه إليها خطاب القرآن المدني.. والترتيب الخالد للسور والآيات، الذي جاء لبناء الرؤية القرآنية المستمرة، جاء توقيفياً على غير أزمنة النزول، ليتعامل أهل كل زمان مع القرآن من خلال الحال التي هم عليها.

  5. أساليب القرآن في الدعوة • وكان الخطاب للمؤمنين غير الخطاب للكافرين، وكان الخطاب لأهل الكتاب ومحاجتهم، وتحذيرهم من كتمان الحق غير الخطاب للكفار، والخطاب للمنافقين غير الخطاب للكافرين. • وكان خطاب الجهاد والمعركة والتحريض على القتال، وطلب الشدة والغلظة على الكفار، والتحذير من التولي عند الزحف، غير خطاب السلم والتعاهد والتصالح، والتعامل مع الأسرى ومخاطبتهم، وكانت مواصفات الخطاب في مرحلة الدعوة، وحالة الدعوة، غير مواصفات الخطاب في مرحلة الدولة وبيان أعباء الاستخلاف والعمران، ومسئولية النكول عن أداء الأمانة. • وكانت مواصفات الخطاب التربوي، غير مواصفات الخطاب التشريعي وتقرير الأحكام، ومواصفات الخطاب في مجال العقيدة، وتحرير وحسم مفاهيم الولاء والبراء، غير مواصفات الخطاب في مجال البناء الاجتماعي، وكانت مواصفات وأهداف الخطاب في حالات الاستضعاف غير مواصفات الخطاب في حالات التمكين، وكان القرآن في ذلك كله معلمًا ومنارة اتباع واقتداء.

  6. أساليب القرآن في الدعوة • وكان من أساليب القرآن المعلم: • الحوار، • والمناقشة، • والمناظرة، • وطلب البرهان والدليل، • والدعوة إلى كلمة سواء • وضرب الأمثال، • والتعبير المباشر، • والترغيب والترهيب، • والتبصير بالعواقب والمآلات، • ودحض حجة الكافرين، • وتوظيف الحدث التاريخي، ولفت النظر إلى السنن الاجتماعية الحاكمة في الحياة، من خلال القصص والمآلات التي انتهت إليها الأمم السابقة، وعواقب أعمالها بحيث غطى خطاب القرآن الكريم جميع الجوانب الإنسانية.. • خاطب العقل والوجدان والضمير والعاطفة، وحرك الدوافع الفطرية الخيرة، وحذر من النوازع الشريرة، وقدم نماذج ونتائج للنزوع إلى الشر، وأجاب عن الأسئلة الكبرى المتعلقة بأصل النشأة، وطبيعة المصير، ورسم لوحات ومشاهد للحالات البشرية جميعها؛ من العبودية والخوف والرجاء والندم والتأله والاستكبار والإحباط والسقوط والنهوض. • وبعد ذلك ليس غريباً أن نقول: إن الناس على دين إعلامهم، إنه فن وعلم، موهبة واكتساب، وليس ادعاءً وتطاولاً وغثاءً طافياً، إنه يتشكل من خلال المجتمع وثقافته، ومن ثم هو الذي يعيد تشكيل المجتمع، ويقيم بناءه.

  7. أسلوب الحوار • النموذج الأول : حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة هذا الحوار بدأ من اللحظة الأولى التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة ، ويقوم بدور الخلافة على الأرض ، فأراد أن يخلق الإنسان لكي تناط به هذه المهمة الصعبة ، فقال سبحانه: "وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " سورة البقرة { الآيات 30- 33 }.في هذا النموذج الحواري الذي يدور بين الله والملائكة ، يتضح لنا أن الملائكة لديها معلومات عن هذا المخلوق الجديد الذي لم تعرفه من قبل ، معلومات غير صحيحة ، وكانت هذه المعلومات مبنية على حياة الجن الذي كان يسكن الأرض قبل الإنسان ، فاعترضت الملائكة وهي معمّمه لخطأ الجن في القتل وسفك الدم والإفساد ، فكان الحوار يتواصل من قبل الله ، ويخلق آدم ، ثم يعلمه الله أسماء الأشياء والتي قال فيه العلماء قد تكون بمعنى اللغات ، وبمعنى آخر هو أسماء الأشياء وصفاتها ومسمياتها ، وهنا..يتضح للملائكة أن هذا المخلوق الجديد _ الإنسان _ يختلف عن المخلوق السابق الذي كان يسكن الأرض ، لذلك ردت الملائكة بعد تصحيح المعلومات لديها بالقول (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم) .

  8. أسلوب الحوار • النموذج الثاني : حوار الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء ونقصد هنا في هذا العنوان ، حوار الله مع الأنبياء والرسل الذين كان الله يرسلهم لاقواهم ، سواء كان معهم كتاب سماوي ، أو بعض الصحف والألواح ، ولكن هنا في معرض النموذج الحواري بين الله وبين أحد الرسل سيكون هدفه إظهار مقدرة الله تعالى الفاعلة في كل شيء، وسيكون محط الدراسة هو "العزير عليه السلام "، وسنرى كيف هذا النبي _ بضعفه الإنساني _ يسأل عن بعض الأمور التي قد تكون غائبة أو غير حاضرة في تفكيره حينئذ...والقرءان سجل هذا الحوار فقال سبحانه وتعالى: " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي الأرض بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فأنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه وأنظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وأنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم إن الله على كل شيء قدير " E سورة البقرة { الآية المعلومات التي لدى العزير ، هو الاستغراب عن إحياء قرية بأكملها قد فنيت عن الأرض ، ومات أهلها جميعاً وأصبحوا من سكان القبور ، هنا كان العقل الإلهي ، التعليم من خلال التجربة والممارسة .. أن أماته الله ، ثم كان السؤال كم لبثت؟ فقال العزير : يوماً أو بعض يوم ، والمعلومة هنا عند العزير عليه السلام هي معلومة خاطئة ، فكان الرد الإلهي ؛ بل لبثت مائة عام ، ثم اتبع الشواهد التي تؤكد هذه الفترة من الموات. النموذج الثالث : حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس ويعتبر هذا النموذج من اخطر النماذج الحوارية في القرءان الكريم ، وفي مفهوم ولغة الحوار بين الاضاد على إطلاقها ، حيث أن هذا النموذج والذي يمثل فيه سبحانه وتعالى رمز الحق المطلق والخير المطلق فيحاور رمز الشر المطلق والباطل المطلق ؛ ألا وهو إبليس عليه لعنة الله وكأن الله سبحانه أراد أن يضع فلسفة مهمة لبني الإنسان ، تقضي إلى إمكانية الحوار والتفاهم بالطريقة الحوارية مع الآخر ، أو إقامة الحجة عليه لو كان يمثل النقيض لفلسفة الخير التي يحملها الدعاة .. ولنترك للقرءان أن يضع بين أيدينا جو هذا الحوار :

  9. أسلوب الحوار • " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال مامنعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أن خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال أخرج منها مذءوماً مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين "E سورة الأعراف { الآيات 11 - 18 }.ربما هذا الحوار الأطول بين الله سبحانه وتعالى وبين إبليس عليه لعنة الله ، والحوار ذاته يتكرر في مواطن مختلفة في القرءان الكريم لكنه يكون بصورة اقل وأقصر مما هو في سورة الأعراف .والشاهد القوي في الحوار أن إبليس يدعي انه افضل من الإنسان ، لذاك رفض أن يسجد لآدم عليه السلام ، مع العلم أن السجود هنا هو سجود تحية وليس عبادة ، ولكن روح المكابرة في القرءان الكريم التي كانت لدى إبليس جعلته يصّر على كبريائه في هذا النص ، ولكن في نصوص السنة المختلفة والتي تفسر القرءان الكريم كثير من الأحيان ، أنه جاء في معنى الحديث الشريف أن إبليس يقول : ( ويلي.!.أمر ابن آدم بالسجود فسجد ، وأمرت بالسجود فعصيت..! ) .. وهذا يعني إقرار بعدم صوابية رؤيته عن أفضليته على آدم . ولكن روح الكبرياء التي عنده هي التي جعلته لا يمتثل لامر السجود.ومن هذا الحوار بين الخير والشر ، يمكن أن يكون هناك لفته مهمة في حمل دعوة السماء إلى الناس حتى الزعماء منهم أو الطغاة ، وهذه اللفتة تتمثل في انه يمكن للدعاة أن يحملوا هذا الدين مبشرين به وليس منفرين ، ويطرقوا به أبواب الحكام الظلمة ويقيموا عليهم الحجة والبرهان كما فعل موسى عليه السلام وأخيه مع فرعون فقال سبحانه وتعالى في هذا السياق : " اذهب أنت واخوك بآياتي ولا تنيا في ذكرى * اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولاً لينا * لعله يتذكر أو يخشى ..." . سورة طه { الآيات 42 - 45 } .

  10. أسلوب الحوار • النموذج الرابع : حوار النبي عليه السلام مع ابنهفي هذا النموذج سنتعرض لمرحلتين في الطريقة الحوارية ، في المرحلة الأولى سنتعرض للحوار بين نوح عليه السلام مع ابنه ، وهو يصحح له المعلومات الخطأ التي بحوزته ، حيث قال الله سبحانه : ".. وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين " سورة هود { الآيات 42 - 45 }.نوح عليه السلام يوحى إليه من ربه أن هذه الأمة ستهلك ولن ينجو إلا الذي سيصعد في السفينة وسيكون هناك من الطوفان ما يكفي لابتلاع كل شيء على وجه الأرض ، ولكن ابنه يستعصي عليه هذا الفهم والمعلومات الطبيعية المسبقة لديه ، أن الجبل يمكن أن يكون ملاذاً من المياه والفيضانات ولم يكن في تصوره أن الفيضانات ستصل إلى حد الطوفان الذي سيدمر كل شيء ، لذلك قال لأبيه: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) ، وهذا علم خطأ في مفهوم نوح عليه السلام ، لذلك قال لأبنه: (لا عاصم اليوم من أمر الله ) ، لكن _وما يقال_ " الكفر عناد " .رفض الابن أن يركب في سفينة النجاة التي أعدها أبوه بأمر من الله ،وانتهى المشهد الأول أو المرحلة الأولى من هذا النموذج ، ولكن عندما تتدخل عاطفة الأبوّة لدى نوح عليه السلام وهو يرى ابنه يغرق في الطوفان ، توجه إلى الله بأن ينجي له ابنه ، وهو يعتقد انه من الدائرة الشخصية لنوح ، أي الدائرة الأكثر قرباً له فقال نوح لربه سبحانه وتعالى : " ونادى نوح ربه فقال ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت احكم الحاكمين * فقال يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم اني أعظك أن تكون من الجاهلين * قال رب اني أعوذ بك أن اسالك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين " . سورة هود { الآيات 45 - 47 } .فالمعلومات لدى نوح عليه السلام في معيار الله لم تكن صحيحة (انه ليس من أهلك) هذا رد واضح على نوح عليه السلام ، ونوح يتعلم ذلك ويعترف بخطئه ويدرك معنى دائرة الأهل في الدعوة ، والتي كما يقول العلماء : أن الأهل في حقل الدعوة هم أهل الدين والعقيدة ، لذلك عندما عرف نوح عليه السلام عدم صواب المعلومات التي عنده حول مفهوم الأهل قال عليه السلام : (قال رب اني أعوذ بك أن اسالك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ).

  11. اسلوب المناظرة • قصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع نمرود كما في قوله تعالى : (ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه أن آتاهُ الله المُلك إذ قال إبراهيمُ ربّي الذي يُحي ويُميتُ قال أنا أُحي وأُميتُ قالَ إبراهيم فإنَّ الله يأتي بالشمس من المشرق فاَتِ بها من المغرب فبُهِتَ الذي كفرَ والله لا يهدي القوم الظالمين ) .ومثله أيضا ما جاء في محاجّة قومه له ـ عليه السلام ـ وجوابه لهم كما في قوله تعالى : ( وحاجّهُ قومه قال أتحاجُّوني في الله - إلى قوله ـ‍ (فأيُّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ) .ومثله أيضا ما جاء في محاجّته ـ عليه السلام ـ لقومه حينما كسَّر أصنامهم وقد ألزمهم بالحجة والعقل والرجوع إلى وجدانهم وعقولهم ، كما في قوله تعالى : (قالُوا أَأنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم ، قال بل فعلهُ كبيُرهُم هذا فاسألوهم إِن كانُوا ينطقون ،فَرَجعُوا إِلى أَنفُسِهِم فقالُوا إنّكم أنتم الظالمُون ، ثم نُكِسُوا على رُؤُسِهِم لقد علمِتَ ما هؤلاءِ ينطقون ، قال أفتعبُدُون من دون الله ما لا ينفعُكُم شيئا ولا يَضُرُّكُم ، أُفٍّ لَّكُم ولِمَا تعبُدُونَ من دُونِ الله أفَلاَ تعقلونَ).ومنها مجادلة نوح ـ عليه السلام ـ لقومه الذين ركبوا رؤوسهم عنادا وازدادوا غيّا وفسادا ، حيث قالوا له وهو يجادلهم في الله تعالى : ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا) .

  12. اسلوب التنبيه بتوحيد الربوبية على توحيد الإلوهية • لقد جاءت عدة آيات في هذه سورة ابراهيم منبهةً على ذلك، ففي قوله تعالى : (اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) حيث جاء بصيغة العموم (ما) ليدل على إفراده تعالى بكل ما في السماوات والأرض (أي ملكاً وعبيداً واختراعاً وخلقاً)،وقوله تعالى :(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)،وقوله تعالى :(اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ), (وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) حيث فصلت هذه الآية في مظاهر ربوبية الله تعالى من حيث الخلق والتدبير، وحذار أن تتوهم التكرار المحض في هذه الآيات، بل كل آية منها تأتي في موضعها لتنبه على أمر أو مسألة مستقلة ولا يمنع استعمال نفس الشاهد من تعدد المشهود عليه، فالآية الأولى استدل بها على انفراده تعالى بالملك،والآية الثانية دلت على انفراده تعالى بالخلق، والآية الثالثة دلت على انفراده تعالى بالأمر والتدبير؛ فإذا جمعت ما تقدم وصلت إلى تقرير توحيد الربوبية الذي هو :( إفراد الله سبحانه وتعالى في أمور ثلاثة: في الخلق والملك والتدبير).

  13. اسلوب التذكير بنعم الله تعالى • التذكير بنعم الله تعالى : • وهذا الأسلوب قريب من الأسلوب السابق لأن نعم الله تعالى وعطاياه ومنحه من آثار ربوبيته سبحانه وتعالى، بل هو أسلوب أقرب إلى الحس والمشاهدة بحيث يصعب إنكاره إلا من جاحد للنعمة كافرٍ بها، ونحن نجد فيضاً من الآيات المذكرة بنعم لله تعالى على اختلاف في هذه النعم في هذه السورة الكريمة، من ذلك قوله تعالى):َلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(، وأيام الله (أياديه ونعمه عليهم), وأياً ما كان فلا شك أن وضع نعمة الله في غير موضعها وجحود هذه النعمة طريق موصلٌ إلى الكفر والهلاك ويتفاوت الناس في التردي في دركات هذا الطريق فوجب الحذر. • وحاصل هذا الأسلوب أنه يهدف إلى استثمار ما جُبلت عليه الأنفس من العرفان والشكر إلى من أسدى إليها جميلاً فما بال المرء مع ربه ومولاه الذي أورد عليه من النعم ما تتقاصر الأعمار عن تعداده ناهيك عن الوفاء به، فحري بهذا الأسلوب أن يستنقذ من في قلبه بذرة صلاح من مورد الهلاك وطريق الكفر والجحيم.

  14. أسلوب الترغيب والترهيب • : أسلوب الترغيب والترهيب: • وهذا أسلوب من الأساليب القرآنية يُراعي فيه طبيعة النفس البشرية المجبولة على محبة ما فيه نفعها ومصلحتها والإقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه، فتجد القرآن يرغب الناس في اتباع الهدى من خلال الوعد بالخير المترتب على ذلك، ويُرهبهم من إتباع الباطل من خلال الوعيد المترتب على ذلك أيضاً، ولا شك أن الجمع بين الترغيب والترهيب مراعاة للتوازن النفسي عند الإنسان فهو في بعض الحالات أشد استجابة لدواعي المصلحة فينفعه الترغيب وفي حالات أخرى يكون أشد انسياقاً وراء الهوى والشهوات فلا يرعوي إلا بالترهيب، وكان من كرم الله تعالى أن كان الوعد لازماً والوعيد بخلافه. • ولقد أوفت سورة إبراهيم هذا الأسلوب القرآني حقه، ولقد استفتحت السورة بالترهيب في قوله تعالى:(وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)وهو استفتاح مناسب حيث جاءت السورة لتعالج واقع الكفر والشرك فكان مناسباً أن يتجه الخطاب إلى التخلية وذلك بالترهيب والتنفير من مآل ما هم عليه، ثم تكرر مثل هذا الترهيب والتهديد في قوله تعالى :(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). • أما جانب الترغيب فنجد الآيات قد حشدت جملةً من الوعود الجميلة التي يمكن تقسيمها إلى وعود معجلة في الدنيا وأخرى مؤجلة في الآخرة؛ أما الأولى فمنها الوعد بالزيادة لمن شكر نعمه حيث قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) ومن هذه النعم العاجلة مغفرة الذنوب وعدم إهلاكهم بها في الدنيا حيث قال تعالى:(يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) ، أما الوعود الحسنة الآجلة فما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، تأمل معي قوله تعالى:(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ) وقد جاء هذا الوعد الحسن ترغيباً بعد بيان مآل الأشقياء وما صاروا إليه من الخزي والنكال.

  15. أسلوب ضرب المثل • أسلوب ضرب المثل : • المثل الأول : كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف: • ضرب الله تعالى مثلاً لمن عبد مع الله غيرَه سبحانه وتعالى كيف يكون مآل أعمالهم، فيقول تعالى:(مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ)فهؤلاء يأتون بأعمال ظاهرها حَسن في دنيا أو هكذا يتوهمون فيرجون ويطلبون ثوابها يوم القيامة، وما شعر هؤلاء أن أعمالهم هذه ليست بشيء وأن ما يجدونه منها يوم القيامة مشابه لما يجده من طلب ذرات الرماد التي بعثرتها ريح عاصفة شديدة، فلا يجد هؤلاء شيئاً لأنهم بنوا أعمالهم على غير أساس صحيح، وهذا مثل قوله تعالى: • (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ,ولكن الآية في سورة إبراهيم عامة في كل الأعمال والآية في آل عمران خاصة في الإنفاق وهو من باب التنويع البياني في القرآن الكريم, حيث يذكر العام في موضع ويذكر بعض أفراده في موضع آخر ليتحقق التكامل البياني على مدى سور القرآن الكريم.

  16. أسلوب ضرب المثل • المثل الثاني: كشجرة طيبة أو خبيثة: • تنوعت أساليب القرآن الكريم في توصيل رسالة التوحيد للناس، وما ذلك إلا لأنها أعظم حقيقة في الكون وحري بها أن تكون محط عناية القرآن الكريم، والمتدبر في هذه الصورة القرآنية يدرك مدى ثقل هذه الكلمة واهتمام القرآن بها, حتى جاء ترسيخها في عقول وقلوب الناس بهذه الصورة الرائعة والمثل البديع، قال تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ),(وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ)، فهذا مثل قد ضربه الله تعالى للكلمة الطيبة (شهادة أن لا إله إلا الله)؛ فشبهها بالشجرة الطيبة ذات الجذور الراسخة الضاربة في الأرض ثباتاً والفروع المتشعبة عن أصلها الطيب , فإذا بها يانعة الثمار صالحة النتاج، فكذلك شجرة الإيمان أصلها ثابت في قلب المؤمن علماً واعتقاداً، وفرعها من الكلم الطيب والعمل الصالح والأخلاق المرضية والآداب الحسنة ، وهذا في غاية الحسن من حيث ضرب المثل للمعاني المعقولة بالأشياء المحسوسة المستقرة في بداهة العقول والتي تتراءى للناس في معايشهم كل يوم، وإن منتهى الحسن في نتاج هذه الشجرة ذلك التثبيت عند سؤال الملكين في القبر ثم نوال رضا الله تعالى وثوابه يوم القيامة، كما قال تعالى بعد ضرب هذا المثل: • (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة ).

  17. أسلوب القصص • أسلوب القصص: • لقد أخذ القصص القرآني بُعده وتبوأ مكانه كأسلوب خطابي دعوي في سور متعددة من القرآن الكريم بعضها قصير وبعضها طويل، وبعضها تعرضت له سور في آيات قلائل وبعضها الآخر استغرقت سوراً بأسرها، ولا شك أن لهذا العرض المتنوع أهدافه التي منها استدعاء السياق معنى من معاني القصة أو جانباً من جوانبها فيقتصر على موضع الشاهد منه مع إبراز ما يستدعيه السياق، وهكذا كان الحال في سورة إبراهيم حيث وردت جوانب من قصة موسى عليه السلام مع قومه في سياق استعراض أسلوب الدعوة بالتذكير بالنعم، حيث قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)، ثم جاءت إشارة خاطفة سريعة تذكر بمصائر المكذبين في قوله تعالى:(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) وقد جاءت الإشارة بأسلوب قصصي مقتضب جداً بعيد عن الاستطراد الذي قد يبعد بالمخاطب عن التركيز المطلوب في هذا الخطاب الدعوي أعني خطاب الدعوة إلى التوحيد، ثم جاءت الإشارة القصصية الأخيرة من صفحة الواقع حين ذكَّرت بما أورده مشركي قريش قومهم من موارد الهلاك في قوله تعالى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ),(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)وقد تقدم أنها في مشركي قريش ومن هلك منهم يوم بدر. • وحاصل ما تقدم أن يتسلح الداعية برصيد كافٍ من القصص الصحيح ذي المغزى المعين على تقرير مسائل الدعوة، لا سيما وأن أسلوب القصة أسلوب قريب من الناس يشد انتباههم ويؤثر فيهم أكثر مما تؤثر أساليب دعوية أخرى

  18. اسلوب التأمل في الآيات الكونية • توجيه التأمل في الآيات الكونية: • لقد جاء هذا التوجيه لدفع شبه القوم في إنكار وحدانية الله والترويج لباطل الشرك، فجاء مثلاً قوله تعالى:(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)، حيث دعت إلى النظر والتفكر في هذا الخلق العظيم، وفعل (ألم تر) أي رأى القلبية ثم تطرد الآية القياس بالتنبيه على أن من أوجد هذا الخلق العظيم من العدم قادرعلى أن يذهب بهذا الخلق الضعيف المتمرد على عبادة الله سبحانه والانقياد له، فليحذر الذين يخالفون عن أمرالله إذاً أن يحل عليهم عقاب الاستبدال (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ). • ثم تأمل في هذا المشهد الكوني الآخر حيث قال تعالى: )اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ(،(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) فهو توجيه رائع إلى مشهد الخلق الكوني الناطق بكل جزئية فيه وبالتكامل والتناسق المعجز بين هذه الجزئيات تكاملاً يحكي بنفسه أن له رباً خالقاً مدبراً يستحق الحمد والتمجيد والانقياد له شرعاً تماماً كما أن هذا الكون البديع منقادٌ له كوناً وقدراً.

  19. اسلوب التأمل في الآيات الشرعية • : توجيه التأمل في الآيات الشرعية : • وهي السنن التي رتب الله تعالى على مقدماتها آثاراً شرعية من عقوبة أو ثواب، تمكين أو استخلاف، نجاة أو هلاك ونحو ذلك , ولما كان الخطاب الدعوي خطاباً شرعياً قوامه تبليغ أمر الله تعالى ونهيه ناسب أن توجه السورة الكريمة إلى ما يترتب على الأخذ بمقدمات الانقياد لشرع الله والتزام أمره ونهيه، كما ناسب أن يبين ما يترتب على هجر هذه المقدمات والأخذ بمقدمات التمرد على أمره ونهيه سبحانه وتعالى ولقد وجهت السورة الكريمة إلى جملة من هذه المشاهد منها: • 1- مشاهد الأمم الهالكة:وهذا الهلاك سنة شرعية توجه الآية النظر إليها ترهيباً للمخاطبين بالدعوة من الأخذ بمثل ما أخذت به تلك الأمم من مقدمات الهلاك كتكذيب الرسل وبث الشكوك والشبهات كما في قوله تعالى:) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(بل جاءت الآية الأخرى بأشد من ذلك حينما وجهت القوم إلى النظر في الديار التي ورثوها من تلك الأمم الهالكة فهو أدعى للعظة والاعتبار قال تعالى : (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ) ,(وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) فلم يغن مكر القوم عنهم شيئاً؛لأن سنة الله الشرعية قد قضت بأن يهلك هؤلاء ويكونوا أول ضحية مكرهم فيكون تدبيرهم تدميرهم بإذن الله.

  20. اسلوب التأمل في الآيات الشرعية • 2مشاهد خصومة أهل النار: فسنة الله الشرعية تقضي بأن ينال العبد الآبق عقابه في نار جهنم، وأن يتجرع كأس الحسرة والندامة جراء اتباع دعاة جهنم، وإنما ذكر هذا المشهد ضمن الآيات الشرعية لأنه مترتب على مخالفة الأمر الشرعي من جهة ولأنه لا طريق لمعرفته إلا طريق الشرع من جهة أخرى، تأمل هذا المشهد : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ)،ولا شك أن العاقل من اتعظ بهذا المشهد لا من عاينه وكان من أهله. • 3- خطبة إبليس: ولعل مشهد الحسرة والندامة والمخاصمة يزداد ألماً عندما يتقدم رئيس دعاة جهنم ليخطب أتباعه تأمل قوله تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فيها هو رأس الكفر ورئيس دعاة جهنم يقول:(إني جحدت أن أكون شريكاً لله عز وجل) ، واعترف بكذبه فيما وعد به وأنه لا يملك لأتباعه ضراً ولا نفعاً.

  21. اسلوب التأمل في الآيات الشرعية • 4- مشاهد نعيم أهل الجنة: ففي مقابلة المشهدين السابقين لا بد من تمام المشهد بالتوجيه إلى النظر في مآل السعداء حيث قال تعالى :(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) فكما قضت سنة الله الشرعية أن يعاقب المتمرد على أمر ربه فقد قضت السنة الشرعية أن يكافأ المحسن على إحسانه بفضل وكرمٍ من الله تعالى، وكان من تمام التوجيه أن يستكمل عرض مشهد الجزاء ببيان عاقبة المحسن والمسيء لئلا يبقى لأحد على الله تعالى حجة. • 5- مشهد يومٍ لا بيع فيه ولا خلال : فمن جمع مالاً في الدنيا فليس ماله ذاك بالذي يغنيه يوم الحساب، ومن جاء معوِّلاً على نسبه وحسبه فليعد غير هذه العدة فإنها لا تغني عنه شيئاً، كما نبهت الآية الكريمة :( قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ(، فالآية تشير إلى أنه لا ينفع أحداً بيع ولا فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً لو وجده، ولا ينفعه صداقة أحد ولا شفاعة أحد إذا لقي الله كافراً، ومن جميل توجيه هذه الآية أنها قدمت بالإشارة إلى ما ينفع من صلاة وصدقة يُبتغى بها وجه الله اشتغالاً بتحصيله عما لا ينفع من مال وخِلَّة، فتأمل هذا فإنه لطيف جداً,

  22. اسلوب التأمل في الآيات الشرعية • وفي موضعٍ آخر من السورة جاء مشهد الظلمة في حالة مهينة ذليلة كان الله تعالى قد أعده لهم وحذرهم منه، قال تعالى:(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَار),(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)فيا له من مشهد ذلك الذي يسرع فيه هؤلاء إسراع الذليل المدفوع يرفع رأسه مذهولاً لا تطرف له عين لهول ما يرى قد طار فؤاده منه، وتأمل مزيد هوان في قوله تعالى :(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ),( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّار) وما هذا العرض والتوجيه إلا للنذارة كما في الآية التالية:( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ(، فالسنة الشرعية تقضي أن من أقسم على هذا الباطل يجازيه الله تعالى بأن يجعله من أصحاب المشهد السابق، فكما زعموا أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا معاد ولا جزاء فذوقوا هذا بذاك ، وهذا مقتضى عدله سبحانه تعالى، والعدل سنة شرعية ماضية،قال تعالى :( لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).

  23. بعض أساليب القرآن لإقناع الناس بالعقيدة • بعض أساليب القرآن لإقناع الناس بالعقيدة:1- أسلوب تحريك العقول البصيرة والرؤوس الرشيدة؛ لتنظر في الآفاق وفي أنفسها لترى في آياته الكبرى ما يدلُّها على هذه الحقيقة، قال تعالى: "الله الذي رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها ثمَّ استوى على العرش وسخَّر الشمس والقمر كلٌّ يجري لأجلٍ مسمَّى يُدبِّر الأمر يُفصِّل الآيات لعلَّكم بلقاء ربِّكم توقنون" إلى قوله: "… ونُفضِّل بعضها على بعضٍ في الأُكُل إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون"، وقال تعالى: "وفي الأرض آياتٌ للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون".2- أسلوب التقابل بين مآل المؤمنين يوم القيامة وما أعدَّ الله لهم من جنَّات الفردوس خالدين فيها لا يبغون عنها حِوَلا، بسبب إيمانهم بالله ورسله واليوم الآخر، في مقابل مآل الكافرين وما أعدَّ الله لهم من الخسران وعذابٍ مهينٍ يوم القيامة، بسبب كفرهم بما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحقِّ الذي لا ريب فيه، والغرض من ذلك التقابل الترغيب في اتِّباع الحقّ، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من دعوة توحيد الله في الربوبيَّة والألوهيَّة، والتنفير من التكذيب بالله سبحانه وتعالى، قال تعالى: "قل هل ننبِّئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنَّهم يحسنون صُنْعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربِّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا، ذلك جزاؤهم جهنَّم بما كفروا واتَّخذوا آياتي ورسلي هُزُوا، إِنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنَّات الفردوس نُزُلا، خالدين فيها لا يبغون عنها حِوَلا".

  24. بعض أساليب القرآن لإقناع الناس بالعقيدة • 3- أسلوب الإجابة عن الأسئلة المتعلِّقة بالله سبحانه وتعالى؛ فعندما طلب المشركون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينسب إليهم ربَّه، أنزل الله سبحانه وتعالى ردًّا على طلبهم هذا: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفُواً أحد".وعندما جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعَظْمٍ حائل، ففتَّه، فقال: يا محمد، أيبعث الله هذا بعد ما أرم؟ قال: "نعم، يبعث الله هذا، يُميتك، ثم يُحييك، ثم يدخلك نار جهنم"، فأجابه القرآن الكريم عن هذا الاستبعاد بمنطق الفطرة ومنطق الواقع القريب المنظور؛ فقال: "وضرب لنا مثلاً ونسي خَلْقَه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أوَّل مرَّةٍ وهو بكلِّ خلقٍ عليم"، كما روى الحاكم، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.4- أسلوب تقديم الأدلَّة والبراهين على وحدانيَّة الله سبحانه وتعالى بالإلهيَّة والعبوديَّة، قال تعالى: "ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمَّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون"، إلى قوله تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثمَّ يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم".

  25. بعض أساليب القرآن لإقناع الناس بالعقيدة • 5- أسلوب ضرب الأمثال؛ فضرب لهم مثلاً من الطبيعة؛ ليدلَّهم على كمال قدرته وانفراده بالمُلِك والتدبير والوحدانيَّة، قال تعالى: "ومن آياته أنَّك ترى الأرض خاشعةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت ورَبَت إنَّ الذي أحياها لمحيي الموتى إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير".وضرب لهم مثلاً من داخل أنفسهم أيضا؛ ليدعوهم به إلى إفراد الله تعالى بالعبادة؛ فقال: "ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم ممَّا ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتِكم أنفسكم كذلك نفصِّل الآيات لقومٍ يعقلون".ومن الأمثلة ما هو ساخرٌ من المشركين ومعتقداتهم، قال تعالى: "يا أيُّها الناس ضُرِب مثلٌ فاستمعوا له إنَّ الذين تدعون من دون الله لن يَخْلقوا ذُباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعُف الطالب والمطلوب".6- أسلوب الإنكار على الكفَّار والتعجُّب من حالهم وجهلهم بالحقائق، وإهمالهم للتفكير في أنفسهم وفي آلهتهم؛ فهم يعبدون ما ينحتونه ويصنعونه بأيديهم، مع أنَّ المعبود الحقَّ ينبغي أن يكون هو الصانع لا المصنوع، قال تعالى: "قال أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون".

  26. بعض أساليب القرآن لإقناع الناس بالعقيدة • 7- أسلوب التذكير والتخويف؛ فالقرآن الكريم يلجأ في كثيرٍ من الأحيان إلى أن يقصَّ على الناس نبأ الأخيار والفجَّار في الأمم السابقة، وما آل إليه أمرهم؛ ليذكِّرهم بالحقائق التي نسوها أو تناسوها؛ فيعتبروا بغيرهم قبل أن يكونوا عبرةً لغيرهم، قال تعالى: "كذَّبت قبلهم قوم نوحٍ فكذَّبوا عبدنا وقالوا مجنونٌ وازدُجِر، فدعا ربَّه أنِّي مغلوبٌ فانتصر، ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر" إلى قوله: "ولقد جاء آل فرعون النذُر، فكذَّبوا بآياتنا كلِّها فأخذناهم أخذ عزيزٍ مقتدر".8- أسلوب الترغيب في الإيمان بالله وتوحيده في العبادة والتنفير من الكفر والابتعاد عن الشرك؛ فإنَّ القرآن الكريم ذكر بعض الأمور المحسوسة التي لا يشكُّ عاقلٌ في عدم تساويها؛ ليصل أصحاب العقول المستنيرة عن طريق ذلك بأنَّ المتضادات المعنوية –كذلك– لا تتساوى؛ فلا يتساوى المؤمن والكافر، ولا المهتدي والضالّ، ولا أصحاب الجنَّة وأصحاب النار، ولا أحياء القلوب وأمواتها؛ فإنَّ بين هذه الأشياء من التفاوت ما لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، من ذلك قوله: "وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظلُّ ولا الحَرور، وما يستوي الأحياء ولا الأموات إنَّ الله يُسمِعُ من يشاء وما أنت بمُسمِعٍ من في القبور".

  27. بعض أساليب القرآن لإقناع الناس بالعقيدة • 9- أسلوب إثارة النفس البشريَّة بطرح السؤال وتكراره بعرضٍ رائعٍ مقنعٍ لا يحتمل إلا إجابةً واحدة، وبطريقةٍ تأخذ القلوب والعقول معا، قال تعالى: "أمَّن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ ما كان لكم أن تُنبِتوا شجرها أءلهٌ مع الله بل هم قوم يعدلون، أمَّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أءلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون، أمَّن يجيب المضطرَّ إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءلهٌ مع الله قليلاً ما تذكَّرون، أمَّن يهديكم في ظلمات البرِّ والبحر ومن يرسل الرياح بُشْراً بين يدي رحمته أءلهٌ مع الله تعالى عمَّا يشركون، أمَن يبدأ الخلق ثَّم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءلهٌ مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".10- أسلوب القصص؛ فالقرآن استخدم الأسلوب القصصيَّ الرائع في أخذ النفس البشريَّة لقصَّةٍ لها بدايةٌ وأحداثٌ ونهاية، وكأنَّها في نزهةٍ خالدة، حتى يصل بها إلى الإقرار بالتوحيد، قال تعالى: "ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربِّه أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربِّي الذي يحيي ويميت قال أنا أُحيي وأُميت قال إبراهيم فإنَّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبُهِت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين"، ونرى ذلك جليًّا أيضاً في القصَّة الرائعة لإبراهيم عليه السلام، وتجربته الفريدة مع الكوكب والقمر والشمس،

  28. بعض أساليب القرآن لإقناع الناس بالعقيدة • قال تعالى: "وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين، فلمَّا جَنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربِّي فلما أَفَلَ قال لا أحبُّ الآفلين فلمَّا رأى القمر بازغاً قال هذا ربِّي فلمَّا أَفَلَ قال لئن لم يهدني ربِّي لأكوننَّ من القوم الضالِّين، فلمَّا رأى الشمس بازغةً قال هذا ربِّي هذا أكبر فلمَّا أفلت قال يا قوم إنِّي بريءٌ ممَّا تُشركون، إنِّي وجهت وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين". • 11- أسلوب دعوة المخالفين له أن يأتوا بالبراهين والأدلَّة إن كانوا على حقّ، قال تعالى: "سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاباؤنا ولا حرَّمنا من شيءٍ كذلك كذَّب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا إن تتَّبعون إلا الظنَّ وإن أنتم إلا تخرصون"، وقال تعالى: "أءلهٌ مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".وعليه فهذه ليست كلُّ أساليب القرآن الكريم في الإقناع بالتوحيد، لكنَّها بعض لَبِناتٍ من هذا البناء العظيم الشامخ من القرآن العظيم.وهكذا استمرَّ القرآن الكريم بأساليبه المباشرة وغير المباشرة، على هذا المنوال يصول ويجول في ميدانٍ اكتظَّت أرضه بالأصنام والأوثان والشركاء والشبهات، حتى أذاب كلَّ ذلك، وربط أمَّته بأعظم رباط، وهو عقيدة التوحيد التي بها تحرَّرت عقولهم، وبها التقت آمالهم، وبها توحَّدت قوى حالهم، وعليها وحدها انضمَّ شتاتهم، ثم حضَّهم على الاعتصام بها وعدم التفرُّق أو الابتعاد عنها بالترغيب تارةً والترهيب تارةً أخرى، قال تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبيِّن الله لكم آياته لعلَّكم تهتدون".

  29. سورة فصلت • {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}

  30. تفسير القرطبي للآية • قوله تعالى: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا" هذا توبيخ للذين تواصوا باللغو في القرآن. والمعنى: أي كلام أحسن من القرآن، ومن أحسن قولا من الداعي إلى الله وطاعته وهو محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن سيرين والسدي وابن زيد والحسن: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول: هذا رسول الله، هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله؛ أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه. وقالت عائشة رضي الله عنها وعكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد: نزلت في المؤذنين. قال فضيل بن رفيدة: كنت مؤذنا لأصحاب عبدالله بن مسعود، فقال لي عاصم بن هبيرة: إذا أذنت فقلت: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقل وأنا من المسلمين؛ ثم قرأ هذه الآية؛ قال ابن العربي: الأول أصح؛ لأن الآية مكية والأذان مدني؛ وإنما يدخل فيها بالمعنى؛ لا أنه كان المقصود وقت القول، ويدخل فيها أبو بكر الصديق حين قال في النبي صلى الله عليه وسلم وقد خنقه الملعون: "أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله" [غافر: 28] وتتضمن كل كلام حسن فيه ذكر التوحيد والإيمان.

  31. تفسير القرطبي للآية • قلت: وقول ثالث وهو أحسنها؛ قال الحسن: هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله. وكذا قال قيس بن أبي حازم قال: نزلت في كل مؤمن. قال: ومعنى "وعمل صالحا" الصلاة بين الأذان والإقامة. وقاله أبو أمامة؛ قال: صلي ركعتين بين الأذان والإقامة. وقال عكرمة: "وعمل صالحا" صلى وصام. وقال الكلبي: أدى الفرائض. • قلت: وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب. والله أعلم. • قوله تعالى: "وقال إنني من المسلمين" قال ابن العربي: وما تقدم يدل على الإسلام، لكن لما كان الدعاء بالقول والسيف يكون للاعتقاد ويكون للحجة، وكان العمل يكون للرياء والإخلاص، دل على أنه لا بد من التصريح بالاعتقاد لله في ذلك كله، وأن العمل لوجهه. • مسألة: لما قال الله تعالى: "وقال إنني من المسلمين" ولم يقل له اشترط إن شاء الله، كان في ذلك رد على من يقول أنا مسلم إن شاء الله. • قوله تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة" قال الفراء: "لا" صلة أي "ولا تستوي الحسنة والسيئة" وأنشد: • ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر

  32. تفسير القرطبي للآية • أراد أبو بكر وعمر؛ أي لا يستوي ما أنت عليه من التوحيد، وما المشركون عليه من الشرك. قال ابن عباس: الحسنة لا إله إلا الله، والسيئة الشرك. وقيل: الحسنة الطاعة، والسيئة الشرك. وهو الأول بعينه. وقيل: الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة. وقيل: الحسنة العفو، والسيئة الانتصار. وقال الضحاك: الحسنة العلم، والسيئة الفحش. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحسنة حب آل الرسول، والسيئة بغضهم. "ادفع بالتي هي أحسن" نسخت بآية السيف، وبقي المستحب من ذلك: حسن العشرة والاحتمال والإغضاء. قال ابن عباس: أي ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك. وعنه أيضا: هو الرجل يسب الرجل فيقول الآخر إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. وكذلك يروى في الأثر: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ذلك لرجل نال منه. وقال مجاهد: "بالتي هي أحسن" يعني السلام إذا لقي من يعاديه؛ وقال عطاء. وقول ثالث ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في الأحكام وهو المصافحة. وفي الأثر: (تصافحوا يذهب الغل). ولم ير مالك المصافحة، وقد اجتمع مع سفيان فتكلما فيها فقال سفيان: قد صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفرا حين قدم من أرض الحبشة؛ فقال له مالك: ذلك خاص. فقال له سفيان:

  33. تفسير القرطبي للآية • ما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصنا، وما عمه يعمنا، والمصافحة ثابتة فلا وجه لإنكارها. وقد روى قتادة قال قلت لأنس: هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وهو حديث صحيح. وفي الأثر: (من تمام المحبة الأخذ باليد). ومن حديث محمد بن إسحاق وهو إمام مقدم، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه - والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده - فاعتنقه وقبله. • قلت: قد روي عن مالك جواز المصافحة وعليها جماعة من العلماء. وقد مضى ذلك في "يوسف" وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما). • قوله تعالى: "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" أي قريب صديق. قال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان مؤذيا للنبي صلى الله عليه وسلم، فصار له وليا بعد أن كان عدوا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالقرابة. وقيل: هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام، كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره الله تعالى بالصبر عليه والصفح عنه؛ ذكره الماوردي. والأول ذكره الثعلبي والقشيري وهو أظهر؛ لقوله تعالى: "فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". وقيل: كان هذا قبل الأمر بالقتال. قال ابن عباس: أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم. وروي أن رجلا شتم قنبرا مولى علي بن أبي طالب فناداه علي يا قنبر دع شاتمك، وآله عنه ترضي الرحمن وتسخط الشيطان، وتعاقب شاتمك، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه. وأنشدوا:

  34. تفسير القرطبي للآية • وللكف عن شتم اللئيم تكرما أضر له من شتمه حين يشتم • وقال آخر: • وما شيء أحب إلى سفيه إذا سب الكريم من الجواب • متاركة السفيه بلا جواب أشد على السفيه من السباب • وقال محمود الوراق: • سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه لدي الجرائم • فما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشرف ومثل مقاوم • فأما الذي فوقي فأعرف قدره واتبع فيه الحق والحق لازم • وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته عرضي وإن لام لائم • وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم • "وما يلقاها" يعني هذه الفعلة الكريمة والخصلة الشريفة "إلا الذين صبروا" بكظم الغيظ واحتمال الأذى. وقيل: الكناية في "يلقاها" عن الجنة؛ أي ما يلقاها إلا الصابرون؛ والمعنى متقارب. "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" أي نصيب وافر من الخير؛ قال ابن عباس. وقال قتادة ومجاهد: الحظ العظيم الجنة. قال الحسن: والله ما عظم حظ قط دون الجنة. "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ" تقدم في آخر "الأعراف". "فاستعذ بالله" من كيده وشره "إنه هو السميع" لاستعاذتك "العليم" بأفعالك وأقوالك.

  35. تفسير سيد قطب للآية • وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) • والاستقامة على قولة: (ربنا الله). الاستقامة عليها بحقها وحقيقتها . الاستقامة عليها شعوراً في الضمير , وسلوكاً في الحياة . الاستقامة عليها والصبر على تكاليفها . أمر ولا شك كبير . وعسير . ومن ثم يستحق عند الله هذا الإنعام الكبير . صحبة الملائكة , وولاءهم , ومودتهم . هذه التي تبدو فيما حكاه الله عنهم . وهم يقولون لأوليائهم المؤمنين:لا تخافوا . لا تحزنوا . أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ثم يصورون لهم الجنة التي يوعدون تصوير الصديق لصديقه ما يعلم أنه يسره علمه ورؤيته من حظه المرتقب:(لكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون). ويزيدونها لهم جمالاً وكرامة:(نزلاً من غفور رحيم). فهي من عند الله أنزلكم إياها بمغفرته ورحمته . فأي نعيم بعد هذا النعيم ?

  36. تفسير سيد قطب للآية • الدرس السابع:33 - 36 من صفات الدعاة الناجحين • ويختم هذا الشوط برسم صورة الداعية إلى الله , ووصف روحه ولفظه , وحديثه وأدبه . ويوجه إليها رسوله [ ص ] وكل داعية من أمته . وكان قد بدأ السورة بوصف جفوة المدعوين وسوء أدبهم , وتبجحهم النكير . ليقول للداعية:هذا هو منهجك مهما كانت الأمور: • (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال:إنني من المسلمين ! ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا , وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله , إنه هو السميع العليم). • إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله , في مواجهة التواءات النفس البشرية , وجهلها , واعتزازها بما ألفت , واستكبارها أن يقال:إنها كانت على ضلالة , وحرصها على شهواتها وعلى مصالحها , وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد , كل البشر أمامه سواء . • إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق . ولكنه شأن عظيم:

  37. تفسير سيد قطب للآية • ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله , وعمل صالحاً , وقال:إنني من المسلمين). • إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض , وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء . ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ; ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات . فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ . • ولا على الداعية بعد ذلك أن تتلقى كلمته بالإعراض , أو بسوء الأدب , أو بالتبجح في الإنكار . فهو إنما يتقدم بالحسنة . فهو في المقام الرفيع ; وغيره يتقدم بالسيئة . فهو في المكان الدون: • (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة). • وليس له أن يرد بالسيئة , فإن الحسنة لا يستوي أثرها - كما لا تستوي قيمتها - مع السيئة والصبر والتسامح , والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر , يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة , فتنقلب من الخصومة إلى الولاء , ومن الجماح إلى اللين:

  38. تفسير سيد قطب للآية • ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). • وتصدق هذه القاعدة في الغالبية الغالبة من الحالات . وينقلب الهياج إلى وداعة . والغضب إلى سكينة . والتبجح إلى حياء ; على كلمة طيبة , ونبرة هادئة , وبسمة حانية في وجه هائج غاضب متبجح مفلوت الزمام ! • وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) • ولو قوبل بمثل فعله ازداد هياجاً وغضباً وتبجحاً ومروداً . وخلع حياءه نهائياً , وأفلت زمامه , وأخذته العزة بالإثم . • غير أن تلك السماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف ويسمح وهو قادر على الإساءة والرد . وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها . حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفاً . ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه , ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقاً . • وهذه السماحة كذلك قاصرة على حالات الإساءة الشخصية . لا العدوان على العقيدة وفتنة المؤمنين عنها . فأما في هذا فهو الدفع والمقاومة بكل صورة من صورها . أو الصبر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

  39. تفسير سيد قطب للآية • وهذه الدرجة , درجة دفع السيئة بالحسنة , والسماحة التي تستعلي على دفعات الغيظ والغضب , والتوازن الذي يعرف متى تكون السماحة ومتى يكون الدفع بالحسنى . . درجة عظيمة لا يلقاها كل إنسان . فهي في حاجة إلى الصبر . وهي كذلك حظ موهوب يتفضل به الله على عباده الذين يحاولون فيستحقون: • (وما يلقاها إلا الذين صبروا , وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم). . • إنها درجة عالية إلى حد أن رسول الله [ ص ] وهو الذي لم يغضب لنفسه قط ; وإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحد . قيل له - وقيل لكل داعية في شخصه -: • (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله , إنه هو السميع العليم). . • فالغضب قد ينزغ . وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الإساءة . أو ضيق الصدر عن السماحة . فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينئذ وقاية , تدفع محاولاته , لاستغلال الغضب , والنفاذ من ثغرته . • إن خالق هذا القلب البشري , الذي يعرف مداخله ومساربه , ويعرف طاقته واستعداده , ويعرف من أين يدخل الشيطان إليه , يحوط قلب الداعية إلى الله من نزغات الغضب . أو نزغات الشيطان . مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم . • إنه طريق شاق . طريق السير في مسارب النفس ودروبها وأشواكها وشعابها , حتى يبلغ الداعية منها موضع التوجيه ; ونقطة القياد !!! • الوحدة الثانية:37 - 54 الموضوع:آيات وأدلة على الوحدانية من الكون والآفاق وطبيعة الإنسان

  40. تفسير ابن كثير • يقول عز وجل: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} أي دعا عباد الله إليه {وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} أي هو في نفسه مهتد بما يقوله فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر بالخير ويترك الشر ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى وهذه عامة في كل من دعا إلى الخير وهو في نفسه مهتد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك كما قال محمد بن سيرين والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقيل المراد بها المؤذنون الصلحاء كما ثبت في صحيح مسلم «المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة» وفي السنن مرفوعاً «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين» وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن الهروي حدثنا غسان قاضي هراة وقال أبو زرعة: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مطر عن الحسن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: «سهام المؤذنين عند الله تعالى يوم القيامة كسهام المجاهدين وهو بين الاَذان والإقامة كالمتشحط في سبيل الله تعالى في دمه» قال: وقال ابن مسعود رضي الله عنه لو كنت مؤذناً ما باليت أن لا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مؤذناً لكمل أمري وما باليت أن لا أنتصب لقيام الليل ولا لصيام النهار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اغفر للمؤذنين» ثلاثاً, قال: فقلت يا رسول الله تركتنا ونحن نجتلد على الأذان بالسيوف

  41. تفسير ابن كثير • قال صلى الله عليه وسلم: «كلا يا عمر إنه سيأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعافهم وتلك لحوم حرمها الله عز وجل على النار لحوم المؤذنين» قال وقالت عائشة رضي الله عنها ولهم هذه الاَية {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} قالت: فهو المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعا إلى الله وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعكرمة إنها نزلت في المؤذنين وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال في قوله عز وجل وعمل صالحاً يعني صلاة ركعتين بين الأذان والإقامة. ثم أورد البغوي حديث عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين ـ صلاة ـ ثم قال في الثالثة ـ لمن شاء» وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من حديث عبد الله بن بريدة عنه وحديث الثوري عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال الثوري: لا أراه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم «الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة» ورواه أبو داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة كلهم من حديث الثوري به

  42. تفسير ابن كثير • وقال الترمذي: هذا حديث حسن, ورواه النسائي أيضاً من حديث سليمان التيمي عن قتادة عن أنس به. والصحيح أن الاَية عامة في المؤذنين وفي غيرهم فأما حال نزول هذه الاَية فإنه لم يكن الأذان مشروعاً بالكلية لأنها مكية والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة حين أريه عبد الله بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه في منامه فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يلقيه على بلال رضي الله عنه فإنه أندى صوتاً كما هو مقرر في موضعه فالصحيح إذن أنها عامة كما قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري أنه تلا هذه الاَية {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} فقال هذا حبيب الله هذا ولي الله هذا صفوة الله هذا خيرة الله هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته وقال إنني من المسلمين هذا خليفة الله, وقوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} أي فرق عظيم بين هذه وهذه {ادفع بالتي هي أحسن} أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.

  43. تفسير ابن كثير • وقوله عز وجل: {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} وهو الصديق إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك, ثم قال عز وجل: {وما يلقاها إلا الذين صبروا} أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والاَخرة, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاَية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. وقوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} أي أن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقة الذي سلطه عليك فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده, وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه», وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف عند قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} وفي سورة المؤمنين عند قوله: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون}.

  44. تفسير القاسمي • القول في تأويل قوله تعالى : • { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [ 33 ] . • { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي : لا أحد أحسن مقالاً ممن دعا الناس إلى عبادته تعالى ، وكان من الصالحين المؤتمرين ، والمسلمين وجوههم إليه تعالى في التوحيد . • لطائف : • الأولى - قال القاشاني : وإنما قدم الدعوة إلى الحق والتكميل ؛ لكونه أشرف المراتب ، ولاستلزامه الكمال العلمي والعملي ، وإلا لما صحت الدعوة . انتهى . • الثانية - في الآية إشارة إلى ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الإعراض عن المشركين ، وعما كانوا يقولونه من اللغو في التنزيل ، مما قصه تعالى عنهم فيما تقدم . وإرشاده إلى المواظبة على التبليغ ، والدعوة ، ببيان أن ذلك أحسن الطاعات ورأس العبادات ، فهذا هو سر انتظام هذه الآية في إثر ما سبق . وثمة وجه آخر . وهو أن مراتب السعادات اثنان : كامل وأكمل . أما الكامل فهو أن يكتسب من الصفات الفاضلة ما لأجلها يصير كاملاً في ذاته . فإذا فرغ من هذه الدرجة ، اشتغل بعدها بتكميل الناقصين . • فقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } [ فصلت : 30 ] و [ الأحقاف : 13 ] ، إشارة إلى المرتبة الأولى . وهي اكتساب الأحوال التي تفيد كمال النفس في جوهرها . فإذا حصل الفراغ من هذه المرتبة ، وجب الانتقال إلى المرتبة الثانية ، وهي الانتقال بتكميل الناقصين ، وذلك إنما يكون بدعوة الخلق إلى الدين الحق ، وهو المراد من قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } الآية .

  45. تفسير القاسمي • واعلم أن من آتاه الله قريحة قوية ، ونصيباً وافياً من العلوم الإلهية ، عرف أنه لا ترتيب أحسن ولا أكمل من ترتيب آيات القرآن ، أفاده الرازي . • الثالثة - يدخل في الآية كل من دعا إلى الله بطريق من الطرق المشروعة ، وسبيل من السبل المأثورة ؛ لأن الدعوة الصحيحة هي الدعوة النبوية ، ثم ما انتهج منهجها في الصدع بالحق ، وإيثاره على الخلق . • الرابعة - في الآية دليل على وجوب الدعوة إلى الله تعالى - على ما قرره الرازي - لأن الدعوة إلى الله أحسن الأعمال ، وكل ما كان أحسن الأعمال ، فهو واجب . • الخامسة - احتج من جوز قول : أنا مسلم . بدون تعليق على المشيئة بهذه الآية . وقال : إطلاقها يدل على أن ذلك هو الأولى ، والمسألة معروفة بسطها الغزالي في " الأحياء " . • وللإمام ابن حزم في " الفِصل " تحقيق لطيف لا بأس بإيراده . قال رحمه الله : اختلف الناس في قول المسلم : أنا مؤمن . فروينا عن ابن مسعود وجماعة من أصحابه الأفاضل ، ومن بعده من الفقهاء ، أنه كره ذلك . وكان يقول : أنا مؤمن إن شاء الله . وقال بعضهم : آمنت بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله . وكانوا يقولون : من قال أنا مؤمن ، فليقل إنه من أهل الجنة . • ثم قال ابن حزم : والقول عندنا في هذه المسألة ، أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه . فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز وجل ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبكل ما أتى به عليه السلام ، وأنه يقر بلسانه بكل ذلك ، فواجب عليه أن يعترف بذلك . كما أمر تعالى ، إذا قال تعالى : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [ الضحى : 11 ] ولا نعمة أوكد ، ولا أفضل ، ولا أولى بالشكر ، من نعمة الإسلام . فواجب عليه أن يقول : أنا مسلم قطعاً عند الله تعالى ، وفي وقتي هذا . ولا فرق بين قوله : أنا مؤمن مسلم . وبين قوله : أنا أسود وأنا أبيض .

  46. تفسير القاسمي • وهكذا سائر صفاته التي لا يشك فيها . وليس هذا من باب الامتداح ، والتعجب في شيء ؛ لأنه فرض عليه أن يحص دمه بشهادة التوحيد . قال تعالى : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ البقرة : 136 ] ، وقول ابن مسعود عندنا صحيح ؛ لأن الإسلام والإيمان اسمان منقولان عن موضوعهما في اللغة ، إلى جميع البر والطاعات ، فإنما منع ابن مسعود من القول بأنه مسلم مؤمن ، على معنى أنه مستوف لجميع الطاعات . وهذا صحيح . ومن ادعى لنفسه هذا فقد كذب بلا شك ، وما منع رضي الله عنه من أن يقول المرء : إني مؤمن . بمعنى مصدق . كيف ؟ وهو يقول : قل آمنت بالله ورسله . أي : صدقت . وأما من قال فقل إنك في الجنة ، فالجواب أننا نقول : إن متنا على ما نحن عليه الآن ، فلا بد لنا من الجنة بلا شك . وبرهان ذلك أنه قد صح من نصوص القرآن ، والسنة ، والإجماع ، أن من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به ، ولم يأت بما هو كفر ، فإنه في الجنة ، إلا أننا لا ندري ما يفعل بنا في الدنيا ، ولا نأمن من مكر الله تعالى ، ولا إضلاله ، ولا كيد الشيطان ، ولا ندري ماذا نكسب غداً ، ونعوذ بالله من الخذلان . انتهى .

  47. تفسير القاسمي • القول في تأويل قوله تعالى : • { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ 34 ] . • { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ } أي : لكون الأولى من مقام العقل تجرّ صاحبها إلى الجنة ومصاحبة الملائكة . والثانية من مقام النفس تجر صاحبها إلى النار ومقارنة الشياطين : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : ادفع السيئة حيث اعترضتك ، بالتي هي أحسن منها ، وهي الحسنة . على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقاً ، أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات . وإنما عدل من مقتضى الظاهر وهو : ادفع بالحسنة ، إلى الأبلغ - لأن من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه . وهذا الكلام أبلغ في الحمل والحث على ما ذكر ؛ لأنه يومئ إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه . • قال القاشاني : أي : إذا أمكنك دفع السيئة من عدوك بالحسنة ، التي هي أحسن فلا تدفعها بالحسنة التي دونها ، فكيف بالسيئة ؟ فإن السيئة لا تندفع بالسيئة ، بل تزيد وتعلو ارتفاع النار بالحطب . فإن قابلتها بمثلها كنت منحطاً إلى مقام النفس ، متبعاً للشيطان ، سالكاً طريق النار ، ملقياً لصاحبك في الأوزار ، وجاعلاً له ولنفسك من جملة الأشرار ، متسبباً لازدياد الشر ، معرضاً عن الخير . وإن دفعتها بالحسنة ، سكّنت شرارته ، وأزلت عداوته ، وتثبت في مقام القلب على الخير ، وهديت إلى الجنة ، وطردت الشيطان ، وأرضيت الرحمن ، وانخرطت في سلك الملكوت ، ومحوت ذنب صاحبك بالندامة ، ثم أشار تعالى إلى علة الأمر ، وثمرته بقوله : { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ } أي : صديق أو قريب : { حَمِيمٌ } أي : شديد الولاء . وأصل الحميم الماء الشديد حرارته . كنى به عن الولي المخلص في وده ، لما يجد في نفسه من حرارة الحب ، والشوق ، والاهتمام نحو مواليه

  48. تفسير القاسمي • القول في تأويل قوله تعالى : • { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ 35 ] . • { وَمَا يُلَقَّاهَا } أي : هذه الخصلة الشريفة ، والفضيلة العظيمة ، وهي مقابلة الإساءة بالإحسان : { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا } أي : على تجرع الشدائد ، أو على طاعته تعالى ، وأمره ، تخلقاً بالعلم والعفو : { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي : من الخير وكمال النفس ، ومن الله تعالى بالتخلق بأخلاقه ، ومن الثواب وكمال العقل . القول في تأويل قوله تعالى : • { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ 36 ] . • { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } أي : وإما يلقين الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس ، إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة ، والانتقام منه ، فاستجر بالله واعتصم من خطواته ، بالرجوع إلى جنابه تعالى ، واللجأ إلى حضرته ، من شره ووسوسته ونزغه . قال ابن كثير : قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف ، وهو قوله تعالى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 199 - 200 ] ، وفي سورة المؤمنون ، وهو قوله سبحانه : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينَ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ }

  49. سورة النحل •  ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {125} وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127} إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {128}‏ سورة النحل

  50. تفسير ابن كثير • يقول تعالى آنرا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله بالحكمة قال ابن جرير وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة والموعظة الحسنة أي بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى وقوله ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) ي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب كقوله تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) لآية فأمر تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) قوله ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ) لآية أي قد علم الشقي منهم والسعيد وكتب ذلك عنده وفرغ منه فادعهم إلى الله ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير عليك البلاغ وعلينا الحساب ( إنك لا تهدي من أحببت ) ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء )

More Related